الاقتصاد السوري ما بعد الأسد
مزيج التحديات البنيوية المتراكمة وإرث الحرب والطروحات الخطيرة لحكومة تسيير الأعمال
محمد صالح الفتيح
مقدمة
بدأت مؤشرات التأزم الاقتصادي في سورية تطفو للسطح في العقد الأول للألفية، خصوصاً في فترة 2008-2010. عقودٌ من استنضاب الثروات الطبيعية، خصوصاً عبر الاستخراج الجائر للنفط، لسد العجز في الموازنة العامة وتقليص العجز في الميزان التجاري، تركت آثارها بوضوح في تلك المرحلة. السياسات الليبرالية وإغراق الأسواق بالبضائع المستوردة، خصوصاً التركية منها، أثر على عمل الآلاف من الورشات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، ودفع الآلاف من العاملين فيها إلى أرتال العاطلين عن العمل. الجفاف المزمن فاقم من مصاعب البلاد. فشهدت سورية لأول مرة في تاريخها المعاصر نزوحاً داخلياً لقرابة 60,000 عائلة من الشرق السوري بسبب الجفاف. تجاهل النظام السابق كل هذه التطورات الخطيرة وتابع بإصرار تطبيق خطط اللبرلة الاقتصادية، وتشجيع الاستيراد لكونه يعزز مكاسب ونفوذ القلة المحظية المستأثرة بتراخيص الاستيراد ووكالات الشركات الأجنبية، وهذا ما فاقم العجز التجاري بشكل غير مسبوق وحضر الليرة السورية لفقدان قيمتها مرة أخرى، بعد أكثر من عقدين من الثبات. أحداث العام 2011 فاجأت النظام السابق الذي لم يتخلَ عن استراتيجية استنزاف مقدرات البلاد، وتبني القرارات الاقتصادية التي تجمع بين العشوائية والمحسوبية والحلول الآنية وتأجيل المشاكل بالاعتماد على الديون والخطوط الائتمانية الإيرانية والروسية. إنهاك الاقتصاد السوري كان القشة الأخيرة التي قصمت ظهر النظام السابق وأفقدته القدرة على القتال.
واليوم، في 2025، تزداد خطورة الوضع الاقتصادي، وبشكل يفوق ما كان عليه في عهد النظام السابق. فحكومة تصريف الأعمال التي تقدم نفسها كنقيض للنظام إنما تتابع في الحقيقة السياسات الليبرالية للنظام السابق، ولكن عبر مضاعفة سرعتها عشرات المرات. فالحكومة الحالية تتبنى شعار “اقتصاد السوق الحر” بأوسع معانيه، بما في ذلك عبر السعي لخصخصة لأغلب المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الموانئ والمطارات ومصافي النفط، وإيقاف كامل الدعم الاقتصادي، بما في ذلك الخبز، وتسريح القسم الأكبر من موظفي القطاع العام. وهذه جميعها ملفات كان النظام السابق قد بدأ العمل باتجاهها، ولكن تحت عناوين مضللة، على أن يتم تحقيقها خلال عدة سنوات، بينما تسعى الحكومة الحالية لتحقيقها خلال عدة أسابيع، أو عدة أشهر على الأكثر. وبينما تتحدث الحكومة عن الاقتصاد الحر وعن نموذج سنغافورة، لا توجد أي معلومة حول الأهداف الاقتصادية الفعلية للحكومة، ولو بالخطوط العامة. وأغلب مسؤولي الحكومة يتعمد الخلط في تصريحاته بين السياسات والأدوات، من جانب، والأهداف والغايات والتي يجب أن تسعى تلك السياسات والأدوات لتحقيقها.
هذه المقدمة توضح مدى عمق المشاكل البنيوية والطارئة التي يعاني منها الاقتصاد السوري والتي يمكن أن تتفاقم بشكل كبير في حال مضت حكومة تصريف الأعمال الحالية – بتسرع وبدون تخطيط كاف – في مسعاها للتحرير الاقتصادي الكامل. تبدأ هذه المذكرة بالتعليق على وضع الاقتصاد السوري في 2025، خصوصاً بالمقارنة مع التوقعات الاستشرافية السابقة. ثم تنتقل لمناقشة الملفات الأكثر حساسيةً: النموذج الاقتصادي ودور الدولة فيه، والأمن الغذائي، وقيمة العملة الوطنية وعجز الميزان التجاري. وتختتم المذكرة بملخص واستنتاجات.
لقراءة الدراسة كاملة:
The Syrian Economy After Assad