السلم الأهلي

ناصر الغزالي

لا يقوم السلم الأهلي على النوايا الطيبة وحدها، ولا على إقامة مؤتمر وطني بين مكونات وشرائح المجتمع. وعلى نحو مماثل لا يقوم السلم الأهلي على مجرد المصالحة بين الناس، إذ لا بد من عمل شامل ومتكامل، يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع السوري والآثار السلبية التي خلفتها النزاعات المسلحة، على كافة المستويات، النفسية والمادية. بناءً على ذلك لا بد من البحث في مقومات السلام المجتمعي  الاقتصادية-التنموية، والاجتماعية-السياسية، والقانونية-التشريعية، والمدنية-البيئية، والثقافية العابرة للأديان، والتربوية-التعليمية، والطقسية-الفولكلورية، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من التأسيس على محاكمات عادلة بعيدة عن الثأرية، قائمة على أعلى درجة ممكنة من التسامح، الأمر الذي لا بد منه وخاصة بعد النزاع مسلح التي شارك فيها قسم كبير من السوريين ومن كل شرائح المجتمع السوري على المستوى الطائفي والقومي.

وعليه، فلا بد من تحليل معمق للوضع السوري من كافة جوانبه، وتقديم مقترحات لعمل عاجل، وخططا متوسطة المدى وأخرى إستراتيجية بعيدة المدى، لإعادة بناء المجتمع السوري بما يضمن عودة الحياة الطبيعية وتضميد الجراح ورأب الصدع وتحقيق السلم الأهلي وصولا إلى التآخي في بوتقة مواطنة عادلة تضمن الحريات والحقوق المتساوية وتصونها. وكذلك لا بد من البحث في آليات توظيف طاقات السوريين كافة بما يقود إلى اشتغال وطني جامع يساهم فيه الجميع لبناء دولة عصرية تسودها العدالة وحكم القانون وتنتفي فيها إمكانية قيام الحرب الأهلية.

من أجل تكريس السلم الأهلي في سورية، علينا البحث في الواقع كما هو الآن والآثار المدمرة لما حصل ويحصل على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والعمراني والنفسي، وكذلك طبيعة القوى الاجتماعية والسياسية والمدنية والأهلية والدينية الفاعلة على الأرض ومدى تأثيرها في صناعة السلم الأهلي في سورية وتحديد دورها والتشبيك بينها والتعاون البناء فيما بينها للوصول بالمجتمع إلى بر الأمان.

ولتحقيق ذلك علينا تقديم صورة واضحة لخارطة القوى الفاعلة والمؤثرة وآليات العمل والمقارنة فيما بينها واعتمادها والاسترشاد والتي يمكن أن تساهم في تخفيف حدة العنف أو تهدئته تمهيداً لإيجاد القنوات المناسبة لإيقافه نهائياً والعمل على تلافي حدوثه مستقبلاً .

من أجل قطع الطريق على الجاهلين والأعداء يتوجب علينا بناء سلم اجتماعي على درجة عالية من الوعي الجماعي بين كل فئات المجتمع، أي أن نعتبر نشر السلم الأهلي واجب وطني مقدس.

يعتمد خطاب حركة السلم الأهلي على مفاهيم خمسة تشكل مركزاته الرئيسية وهي:

  • مفهوم المواطنة والانتماء الوطني

إذ أن العلاقة بين المواطنة، والمواطن، والوطن، لا تنحصر في الاشتقاق اللغوي، وإنما تمتد إلى الارتباط الوثيق في المضامين، فلا مجال لتجسيد مفهوم المواطنة بما يعنيه من مشاركةـ مباشرة أو غير مباشرةـ في تدبير الشأن العام، ومسؤولية تجاه الوطن، دون وجود مواطن يُدرك بوعي حقوقه وواجباته، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويشعر بأنه معني بما يجري داخل الفضاء الذي يسمى الوطن، فلا مواطنة بدون مواطن، ولا مواطن بدون ولاء للوطن، وتفاعل إيجابي مع قضاياه، وانخراط حقيقي في شؤونه.

  • مفهوم حقوق الإنسان التي تشمل الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
  • مفهوم المجتمع المدني
  • مفهوم العدالة الاجتماعية
  • مفهوم دولة القانون

وهذا كله يقع على عاتق قوى المجتمع الحية ومطالبتها بما يلي :

  • تعزيز التعاون بين القوى السياسية لإحلال السلم الأهلي في سورية .
  • تعزيز مشاركة وتعاون المجتمع المدني والأهلي والديني في السلم الأهلي والمصالحة.
  • تعزيز دور المؤسسة القضائية في إقامة العدالة والمحاسبة وجبر الضرر للمتضررين من تلك الحرب.
  • تعزيز دور المرأة في تكريس السلم الأهلي وإحلال السلام والاستقرار الطويل الأجل.
  • تعزيز دور الإعلام والمؤسسات الثقافية في نشر ثقافة التسامح ونبذ الطائفية والعنف.
  • تعزيز دور المؤسسات التعليمية والاجتماعية في تكريس مفهوم السلم الأهلي ووقف العنف في سورية.
  • تطبيق العدالة في مساءلة ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والعفو وجبر الضرر والمسامحة في تحقيق السلام المستدام في سورية .

إن أكبر المخاطر التي تواجه السلمي الأهلي في سورية الأن، هو الشحن الطائفي والانتهاكات الواسعة الممنهجة التي تمارسها سلطة الأمر الواقع ضد شريحة اجتماعية محددة طائفيا، وهذا يؤدي بالضرورة إلى تطييف المجتمع وتقوقع كل طائفة على نفسها، وبالتالي نشوء صراعات بينية بين الطوائف يمكن استغلالها من الخارج لتحقيق مصالحة الخاصة على حساب مصالح الشعب السوري. 

إن حالة اغتراب الدولة عن المجتمع يشكل الحافز القوي في تأصيل الطائفية وعودة المجتمع الأهلي إلى تكوينات ما قبل الدولة، طائفية كانت أو مناطقية أو عشائرية فيتحول أفراد المجتمع بانتمائهم للدولة الوطنية إلى تلك التكوينات، وحالة الاغتراب تلك ناتجة عن حالة الاستبداد والفساد للدولة وهدر كرامة الإنسان.

إن الاستحواذ على السلطة من قبل فئة ما، وعدم السماح للمشاركة السياسية والقرار لباقي الفئات، إضافة للسيطرة على المقدرات الاقتصادية لهذه الفئة، وانتشار الفساد في أجهزة الدولة، وعدم تطبيق العدالة الاجتماعية، وانتقاص حق المواطنة الكاملة بين أفراد المجتمع، والانتهاكات لحقوق الإنسان على المستوى الفردي والجماعات من قبل الدول، والعوائق الذهنية والثقافية المترسبة في المجتمع، جميعها دوافع تؤدي إلى حالة انفصام بين الدولة وأفراد المجتمع، وبذلك تنتزع السلطة السياسة من المجتمع فيصبح الانتماء الطائفي بديلا عن الانتماء السياسي. وتأسيساً على ما تقدم يمكن القول: لا علاقة ضرورية للطائفية بالدين إلا ببعض الجزئيات الخاصة بماهيته واستخدامه للنص الديني، فالجوهر الحقيقي للطائفية يكمن في المجال السياسي حيث يتم توظيف الدين لأهداف ونزعات سياسية تخص هذا الطرف أو ذاك.

وعندما تتحول النزعة الطائفية إلى عصبية وتنتقل من الطائفية الاجتماعية إلى الطائفية السياسية تنقل معها منظومة كاملة من القيم والأعراف والتقاليد والعادات والقرابة العشائرية والروحية والغيبية إلى المجال السياسي يتم إحلالها محل المفاهيم القائمة عليها الدولة من مؤسسات وقانون وعقد اجتماعي، ونسف للرابطة الوطنية التي تجمع المجتمع السوري.

الخلط بين الطائفة والنظام المتعمد السابق من قبل سلطة الأمر الواقع، وهذا من شأنه أن يكون أكثر كارثية وخاصة عندما ينحدر وعي النخبة والصفوة إلى مستوى الوعي العام وهذا ما نلاحظه اليوم في الخطاب الثقافي الطائفي بصورة واضحة. حيث لا يجري الفصل الموضوعي بين النظام والطائفة والدولة. فالطائفة مكون من مكونات الدولة بالضرورة ولكنها ليست من مكونات النظام السياسي القائم.

قد يقول البعض أن المبالغة في القلق لا مبرر له لكن الجميع  يتفق أن هناك أزمة حقيقية يجب تجاوزها والا مصيرنا سوف يكون بالغ السوء، فعلى جميع القوى السياسية والمنظمات والجمعيات والفعاليات الاجتماعية والفكرية المعنية بمصلحة الوطن والمواطن وللتغير نحو مجتمع أفضل يكون : العدل ميزانه, والحرية هواه، والمواطن أساسه، والوطن سياجه، والتراث مخياله، والمستقبل بنيانه، وتقاسم الثروة أرضيته. أن نعي أن المرحلة القادمة تحمل في طياتها واقع مؤلم ربما نحتاج إلى زمن طويل حتى نعود لبناء الدولة من جديد، فالمسؤولية كبيرة فأما العمل والتضامن الجاد والفعال والتعالي على أمراضنا وفرديتنا، ورغم كل هذا فإنني  متفائل بالشعب السوري لما يحمل من معارضة صامته للواقع  الحالي ولأنه يطمح إلى الحرية وبناء مؤسسات مدنية  تحقق له مستقبله بشكل حضاري، هذا الشعب منفتح على كافة النظريات والإيديولوجيات التي تحملها القوى السياسية مادامت تتوافق والعمل من أجل حريته وأمنه الاقتصادي وأمنه الاجتماعي الحامي لوحدته وبنيته،  وعلى هذه القوى أن تكون على مستوى المسؤولية التاريخية.

ولمواجهه المخاطر التي تهدد  السلم الأهلي على مستوى الانقسام الطائفي المصطنع، أقترح قانون خاص لمواجه هذا الانقسام .

قانون لتجريم الطائفية

مقترح مشروع القانون

المادة الأولى

تعريف الجرائم الطائفية

الفقرة(1)- كل فعل أو سلوك إجرامي يهدف إلى إثارة حرب أهلية أو اقتتال طائفي وبدوافع طائفية، وذلك بتسليح المواطنين أو حملهم على التسلح أو حثهم على القتال أو تأجيج الفتنة الطائفية أو استخدام العنف أو زعزعة الأمن الداخلي والوطني أو المساس بالوحدة الوطنية أو تدمير الثروات البشرية والمادية والمشاريع والممتلكات العامة والخاصة.

الثروات البشرية والمادية والمشاريع والممتلكات العامة والخاصة.

الفقرة (2)- تعتبر الطائفية جريمة بحق الشعب والوطن، ويعاقب بأشد العقوبات من يرتكبها بالدعوة إليها أو ترويجها أو التستر عليها أو التهاون في مكافحتها أو إخفاء معلومات عنها، لاسيما اذا ما اقترنت بأفعال وأنشطة من شأنها أن تؤدي إلى اضطراب وفوضى في المجتمع، خصوصاً إذا استخدمت العنف والقوة والتمرد على السلطات العامة أو أدّت إلى حرب أهلية.

المادة الثانية

تجريم الطائفية

تعتبر الأعمال الآتية جرائم طائفية:

الفقرة (1)- العمل والنشاط السياسي تحت أية واجهة سياسية أو حزبية أو اجتماعية أو مهنية أو ما شابه ذلك، لغرض نشر الطائفية أو ممارسة التمييز الطائفي، بصورة علنية أو مستترة، لاسيما إذا حصرت انتساب أعضائها بفئة طائفية محدّدة أو ادّعت تمثيلها أو تأييدها ويحظر ذلك حظراً كاملاً.

الفقرة (2) – استغلال المناسبات الدينية في الترويج للطائفية أو المذهبية بغية إثارة النعرات والكراهية بين الطوائف وإضعاف مبادئ الوحدة الوطنية والهوية الوطنية السورية.

الفقرة (3) – استخدام وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية والالكترونية في الترويج لأي غرض طائفي أو مذهبي بغض النظر عن الأسباب والمبررات، بشرط عدم المساس بحق حرية الرأي والتعبير.

الفقرة (4) – التصنيفات والتقسيمات الطائفية والمذهبية في الجيش والقوات المسلحة والشرطة وقوى الأمن الداخلي والمخابرات وجميع دوائر الدولة ومرافقها.

الفقرة (5) – فتاوى رجال الدين التي تتعلق بالشأن العام، لاسيما ذات الطابع السياسي الطائفي، وكذلك خطابات أئمة الجوامع، ذات الصلة بالحض على الطائفية والمذهبية، ويمنع منعاً باتاً اعتلاء المنابر وإلقاء الخطب للترويج والدعاية للتوجهات الطائفية والمذهبية المؤدية إلى إثارة الاضطراب والفوضى في المجتمع وتهييج المشاعر والعواطف.

الفقرة (6)- استخدام الشعارات الدينية الطائفية والمذهبية في الجامعات والمعاهد العليا وفي المدارس الثانوية والابتدائية، وفي مراحل التعليم كافة. ويحظر تقسيم المناصب التعليمية والتربوية وفقاً لاعتبارات مذهبية وطائفية. ويُعاد النظر بصياغة المناهج التعليمية والتربوية بهدف إبعادها عن أية تصنيفات أو توجهّات طائفية أو مذهبية أو عشائرية أو مناطقية تضرُّ بالوحدة الوطنية وبمعايير العلم والتقدم. ولا يعترف بشهادات المدارس الدينية إلا إذا كانت برامجها مقبولة ومعتمدة لرقابة حكومية وتوافقت مع البرامج والمناهج التعليمية المعتمدة في الدولة. ويُحظر على المدارس الدينية حصر القبول على أساس طائفي أو مذهبي.

طبعا لكل مشروع قانون يخص الجرائم يلحق بمادة العقوبات لكي تكون الرادع للأشخاص مرتكبي هذه الجرائم والطرف المعني بتحديد هذه العقوبات السلطة التشريعية والقضائية.

كلمات مفتاحية

Scroll to Top