(1) رؤية أولية لأهم الثوابت الوطنية 

تقديم :    

منذ فجر الثامن من آذار 1963 إلى فجر الثامن من كانون الأول 2024، عاشت سورية والشعب السوري تحت نير حكم إقصائي، أنتج حكما استبداديا منذ العام 1970، ليتحول في العام 2000 إلى حكم وراثي عائلي، أدخل البلاد منذ العام 2011 في أزمة وطنية خطيرة، أقل ما يمكن توصيفها بـ “أزمة وجودية”، هددت الوجود السوري بوحدته الوطنية أرضاً وشعباً.

خلال هذه المرحلة من الإقصاء والتهميش والاستبداد والإفساد والإفتات على حقوق الشعب بكل أطيافه ومكوناته، ارتُكبت العديد من المجازر وزح مئات الآلاف من السوريين في السجون، وتم تصفيتهم خارج إطار القانون.

وفي فجر الثامن من كانون الأول 2025، انتصر الشعب السوري، كل الشعب السوري، وأسقط النظام البائد وقال كلمته الفاصلة بالقطع مع مرتكزاته وممارسته، متطلعاً لبناء سورية الجديدة لكل السوريين.

واعتزازاً بنضال الشعب السوري، كل الشعب السوري، الذي أسقط الطغيان إلى غير رجعة، واستعاد حرية وكرامة الإنسان السوري الجدير ببناء دولة حديثة قائمة على مبادئ الديمقراطية والعدالة، دولة القانون والمواطنة، دولة تكفل كرامة مواطنيها وحقوقهم وحرياتهم، دولة تعترف بتنوع المجتمع السوري وقيم العيش المشترك، دولة وفية لدماء شهدائها الأبرار ولتضحيات كل السوريين على مرّ الأجيال، دولة تقطع مع الاستبداد والإقصاء، والظلم، والحيف، والفساد.

وتأسيسا لإعادة بناء نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي، في إطار دولة مدنية، السيادة فيها للشعب عبر التداول السلمي على الحكم عبر انتخابات حرة ونزيهة، ترتكز على مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، والتعددية السياسية والحزبية، وحيادُ الإدارة والجيش، واستقلالية القضاء، والحكمُ الرشيد على المستويين المركزي واللامركزي، وتضمن فيه الدولة سمو الدستور والقانون واحترام الحريات وحقوق الإنسان والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات.

وبناءً على ما تقدم، من هذا المنظور الشامل لإعادة بناء المجتمع والدولة في سورية الجديدة، نرى بأنه يُفترض أن يبنى على مقاربة متكاملة أساسها النهوض بحقوق الإنسان وحفظ كرامته وتعزيز الوحدة الوطنية، ترتكز على قيم المساواة والمشاركة الفاعلة والإيجابية والتلاحم والتضامن الاجتماعي، وهذا بدوره يتطلب إجراء مشاورات مجتمعية شاملة وحقيقة، لا تقصي أحد، لإنتاج وثيقة دستورية تبنى من وجهة نظرناً على المبادئ والأسس الجامعة:

  1. حقوق الإنسان:

إن ضمان كافة الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واحترام الحريات والحقوق الأساسية للأفراد (الحريات الشخصية، الحريات السياسية، الحريات الاجتماعية، وحقوق الملكية، والحقوق البيئية…) يُتيح إطلاق طاقاتهم الإنتاجية والإبداعية.

  1. المواطنة:

المواطنة على أساس الدولة المدنية الحديثة التي يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الجنس، أو اللون أو الدين أو العرق أو الثروة أو الانتماء السياسي أو الحزبي. كما تتأسس المواطنة على حق كل سوري في الحصول على الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة بلا تمييز. كما تضمن المواطنة كل حقوق المشاركة السياسية للسوريين في الداخل والخارج.

  1. الديمقراطية:

إنها سلطة الشعب التي تضمن قدرة نواب الشعب والرأي العام على مراقبة الحكومة والسلطات التنفيذية والسياسية ومسائلتهم في ظل إطار من الشفافية الكاملة مع ضمان حرية تكوين الأحزاب والتجمعات السياسية. كما تتأسس الديمقراطية على مبادئ دولة القانون وترسيخ مبدئي تداول السلطة والفصل بين السلطات وتوازنها. ومشاركة جميع مكونات الشعب في إدارة الشأن العام مع رفض التفرقة وإزالة كل تمييز وتهميش يعاني منه أي سوري أو سورية.

  1. السلام العالمي والإقليمي:

مع التمسك بالحقوق الوطنية الراسخة والمجمع عليها، ولاسيما السيادة الوطنية وتحرير الأراضي المحتلة، والدفاع عن أرض الوطن ضد أي عدوان خارجي، يسعى السوريون إلى تحقيق السلام العادل من خلال تبني كافة القرارات الدولية، ودعم حق كل الشعوب في الاستقلال الوطني. وكذلك السعي نحو تعاون سورية مع كافة الدول والشعوب الأخرى من أجل عالم أفضل يسود فيه العدل وحقوق الإنسان.

  1. العدالة والأسس الاجتماعية:

إن العدالة الاجتماعية تضمن تكافؤ الفرص وتستهدف حد أدنى للدخل وخدمة صحية سليمة وسكن مناسب وتعليم جيد لكل السوريين من خلال احترام قيمة العمل وزيادة عائده مما يضمن التوزيع العادل للثروة.

كما تضمن العدالة الاجتماعية الحد من مركزية الدولة وتحقق التوزيع العادل للأموال والخدمات العامة بين مختلف المحافظات أو الأقاليم.

لقد أضحى الوضع الاجتماعي في سورية يتميز بتفاوت كبير بين مختلف فئات الشعب، واتساع طبقة الفقراء والمهمشين. وهو ما يدعونا إلى السعي نحو تبني الأسس الآتية :

  • تحقيق درجات متقدمة من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة الوطنية.
  • ضرورة إيلاء الجوانب الاجتماعية وحقوق الفئات الضعيفة المكانة الأساسية في كافة الخطط التنموية. واعتبار التكافل الاجتماعي والتعاون والتضامن والمساواة والعدل بين المواطنين هي القيم التي يجب أن يبنى عليها المجتمع.
  • حق كل مواطن في العمل وفي الخدمات والمرافق الاجتماعية الأساسية وفي العيش الكريم، من خلال تعزيز الضمانات الممنوحة للعمال بالتوازن مع ضمان الكفاءة الاقتصادية.
  • اعتبار مسألتي البطالة والسكن من أكثر الملفات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع السوري.
  • إن هشاشة واقع المرأة السورية يتطلب بذل الجهود على المستويين التشريعي والثقافي، باعتبار هذا الأخير، مصدر الفجوة بين مستوى التشريعات والواقع المعيشي للمرأة.
  • النظر بعمق إلى تحديات الواقع الديموغرافي للمجتمع السوري حيث يمثل الشباب المكون الأكبر من الشعب في سورية.
  1. الأسس الاقتصادية

يواجه الاقتصاد السوري عدد من التحديات والاختلالات ومظاهر الاختناق التي تؤكد أن النمو المتحقق في ظل العقود الماضية ظل نمواً دون النسق المطلوب واتسم بالهشاشة والعجز عن مواجهة التحديات الأساسية. لذلك يتطلب الاقتصاد الوطني اليوم استراتيجية تقوم على مراجعة كافة السياسات العامة نحو مقاربة جديدة قوامها الرئيسي إصلاح نظام التعليم القادر على إنتاج مجتمع إبداعي ابتكاري يعزز تنافسية المجتمع والاقتصاد، وذلك من خلال الأسس الآتية:

  • رفع نسبة النمو إلى مستويات عالية، مع ما يتطلب من رفع لمستويات الاستثمار والادخار، بهدف امتصاص معدلات البطالة مع إعادة توزيع الثروة.
  • توجيه الاستثمار إلى القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، ولاسيما في الصناعات الواعدة التي تعتمد التكنولوجيا الدقيقة وتعزيز درجة اندماج الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي من خلال رفع القدرة التنافسية للبلاد.
  • دعم القدرة الشرائية بما يعزز الطلب الداخلي ويرفع الاستثمار ويحقق العدالة الاجتماعية.
  • إصلاح النظام الضريبي في ظل تراجع مردودية قطاع النفط وزيادة الضغوط على الموازنة العامة لتمويل الإنفاق العام على المجالات التنموية الحيوية كالصحة والتعليم.
  • النهوض بالقطاع السياحي باعتباره مصدراً استراتيجياً وبديلاً عن تراجع القطاعات الأخرى.
  • إعادة النظر في السياسات الزراعية بشكل جذري في ضوء التحديات التي تواجه هذا القطاع : ضعف جاذبيته للاستثمار نظراً لضعف القيمة المضافة فيه، التحولات المناخية، جدوى استعمال المخزون المائي للري في المناطق الزراعية وتطويرها بما ينمي الإنتاج الزراع ذي الكثافة العالية.
  • تقليص نفوذ بيروقراطية الدولة وتحكمها في النشاط الاقتصادي، بحيث تتدخل كلما كان ذلك ضرورياً وتبتعد كلما كان ذلك ممكناً. كذلك إرساء آليات المساءلة الداخلية والخارجية، ولاسيما مساءلة المواطنين عن طريق تحرير الإعلام وضمان استقلال القضاء، بحيث تسود قيم الشفافية الشرط الأساسي لزيادة ثقة الفاعلين في الاقتصاد.

رابعاً- الأسس التنموية

الاستجابة للأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يتطلب التركيز على قضية التنمية، من خلال تعزيز:

  • تعزيز اللامركزية

إن العلاقة بين اللامركزية والدمقرطة والتنمية علاقة عضوية تشابكية:

  • إن سورية بحاجة إلى سلطات لامركزية قوية تتيح للمحليات تحقيق التنمية.
  • إن توسيع نطاق المشاركة السياسية للمواطنين يتطلب اعتماد سياسات تقوي وتمكن السلطات المحلية التي تتميز بقربها من المواطنين، من المقدرة على إشراكهم مباشرة في صنع القرارات العامة المحلية والمساءلة. فالتحول نحو لامركزية الحكم بوسعه أن يكون وسيلة فاعلة لخلق إدارات محلية أكثر انفتاحاً واستجابةً لاحتياجات المواطنين.
  • إن تقوية الأنظمة الجيدة للحكم المحلي، ستسمح للمجتمعات المحلية التعبير عن احتياجاتها وأولوياتها من خلال إدارة شؤونها، وستعزز وتنظم العلاقة مع السلطة المركزية.
  • إن اللامركزية سوف تساعد على جعل السياسات التنموية وعمليات صنع القرار أكثر ديمقراطية، وبالتالي ستساهم في التحسين من نوعية الحكم.
  • تحقيق الإنماء المتوازن

يشكل الإنماء المتوازن مكمل أساسي للامركزية وضمانة لاستقرار المجتمع:

  • إن السياسات الحكومية يجب أن تستهدف تحقيق التنمية المتوازنة لكل منطقة من جهة ولمجموع مناطق الدولة من جهة ثانية من خلال وضع النماذج الاقتصادية-المكانية المستقبلية المثلى لمختلف المناطق.
  • إن تحقيق الإنماء المتوازن يرتبط بتبني ممارسات تنموية تدمج البعد التنموي بالبعدين المكاني والسكاني. وذلك بكل ما يرتبط بها من مفاهيم سياسية إدارية تتعلق بكيفية توزيع مسؤوليات التنمية بين السلطة المركزية والمحليات. أي إعادة صياغة العلاقة بين المركز والمناطق.
  1. المصالحة والعدالة الانتقالية:

إن تحقيق استدامة السلم الأهلي مرتبط ببناء أو بإعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات الشعب السوري، الذي يسمح لهم بالانخراط الجدي والفعلي في النظام السياسي الذي سيبنى وفق المبادئ سالفة الذكر.

  • ما هي المؤسسات والهياكل والآليات التي تساهم في تحقيق المصالحة؟
  • التأكيد على أن تجارب الحقيقة والإنصاف والعدالة قد نجحت بعد تشكيل هيئة عليا مستقلة للعدالة الانتقالية مشكلة من المحامين والحقوقيين والقضاة المعروفين بالكفاءة والنزاهة.
  • الاستفادة من تجارب سابقة في دول العالم؟
  • ما هي الفترة اللازمة للانتهاء من هذه المرحلة كي لا تتحول إلى سبب لإنتاج صراعات جديدة؟ وبناء سلطة قضائية مستقلة.
  1. إعادة الإعمار:

إن الانتقال السياسي والمصالحة ستبقى رهينة إعادة البناء المادي (اقتصاد، إعمار، تأهيل…)، وبالتالي العلاقة بين الانتقال السياسي والمصالحة مع إعادة البناء هي علاقة دائرية، بحيث كل ما حصل تقدم في واحدة سيعزز التقدم في الأخرى، وهذا يتطلب سياسات واضحة حول القضايا الأساسية لإعادة الإعمار:

  • ماهي الحوافز للاستثمار الأجنبي وللقطاع الخاص، والأهم لرؤوس الأموال السورية في الخارج؟
  • ما هي مساهمات المانحين عربياً وأوربياً وعالمياً؟ حيث إن التوافق السياسي/المجتمعي هو شرط أساسي لتحفيز المانحين المحتملين على المساهمة.
  • ما هي الأولويات في إعادة الإعمار؟
  • كيف نتجنب الفساد في مرحلة إعادة الإعمار التي تعتبر بيئة مثالية للفساد والتضخم؟
  • كيف نتجنب الأثار السلبية على الواقع الجغرافي والديمغرافي لمكونات المجتمع السوري؟

كلمات مفتاحية

Scroll to Top