لقاء مع الدكتور محمد وليد تامر

لقاء مع الدكتور محمد وليد تامر
مؤتمر وطني سوري ومؤتمر دولي من أجل السلام

من داخل محافظة إدلب، ورغم أن اتصالنا يمكن أن ينقطع في أي لحظة بسبب القصف، نتحدث مع أهم رموز المجتمع المدني والسياسي في المحافظة الدكتور محمد وليد تامر، إلى الطبيب الميداني والشخصية المدنية البارزة والإنسان، توجهت كركدن بالسؤال:
– آثرت البقاء في إدلب رغم خطر الاستهداف من مختلف الأطراف التي اقتنعت بأن العنف قدر هذه المحافظة وأن السلاح هو الذي يقرر مصيرها؟ ألا تشعر بالغربة والألم في مسقط رأسك؟ لأنك تقدم فوق المستطاع وتشهد العجز عن الاستجابة لما يحتاجه الأهالي من مساعدة؟

– إدلب محافظة جميلة تقع شمال غرب سوريا مساحتها 8 ألف كم مربع وتحتوي على 7 ملايين شجرة زيتون اشتهرت به المحافظة. على امتداد سنوات الحرب التي شنها النظام على الشعب السوري في السنوات الماضية لجأ إلى محافظة إدلب ومنطقة خفض التصعيد الرابعة ما يقارب المليون ونصف المليون سوري من كل مناطق سوريا التي تعرضت للتهجير والدمار. ناهيكم عمن دخلها من مقاتلين أجانب، ومن غادرها من أبنائها…
منذ تاريخ 29-4-2019 بدأ هجوم كبير وكارثي على هذه المنطقة من قبل سلاح الجو الروسي وقوات الأسد ومرتزقة ايران. تم استهداف عشرات المدن والقرى بآلاف الغارات والمعلن وقتها هو فتح الطرق الدولية m5-m4 حسب اتفاق استانة الذي نص على سحب السلاح الثقيل بعمق 20كم. هذا الهجوم أدى حينها الى نزوح ما يقارب المليون مدني سوري من بيوتهم، فيما يعتبر أكبر حركة نزوح في العالم، حيث كان النزوح في رواندا في نهاية القرن الماضي يعتبر الأكبر ونال حوالي 800 ألف إنسان. خلق هذا النزوح كارثة إنسانية كبيرة جدا، كانت أشجار الزيتون حينها هي الخيام وانتهت هذه الهجمة حينها في السيطرة على خان شيخون والهبيط والتمانعة وكفر نبودة فيما يعادل 10% من المحافظة، وتم تدمير 43 منشاة طبية لتتوقف نسبيا دون الوقوف الكامل لإطلاق النار. حيث استمرت القذائف تنهال على المدن في جنوب ادلب واستمرار الاعلان من قبل الروس والنظام بانهم سيستعيدون كامل محافظة ادلب دون النظر إلى مصير 3.5 مليون انسان موجودين فيها ومع بداية الشهر الاخير من عام 2019 بدا هجوم بري هو الاعنف من حيث الغارات الجوية والدمار والتهجير حيث خلال 15 يوم تم تهجير 300 الف انسان وتدمير عدة مدن بشكل كارثي مثل معرة النعمان وجرجناز ولا يزال مستمرا حتى توجيه سؤالكم. لقد كان هنالك صمود كبير من قبل الثوار رغم ضخامة ما تم استخدامه من الغارات والامر الملفت كذلك انه لم يحدث اشتباك في المراحل الاولى لضعف جيش الأسد الذي اعتاد دخول الارض المحروقة بالطيران الروسي دون أي قتال بل كانت تتولى تعفيش بيوت المدنيين وسرقة كل ممتلكاتهم. إن ما صرف من مجهود حربي في العدوان على إدلب بحجة فتح الطرق الدولية كان بإمكانه انشاء طرق أخرى أكثر حداثة من هذه الطرقات، وهناك إكذوبتان لم تعودا مقنعتين لأحد :
-الحرب على الارهاب
-فتح الطرق الدولية m5-m4
هدف الحرب الأخيرة على ادلب هو التهجير والتدمير فقط وحصر المدنيين الخارجين عن سيطرة النظام ضمن كوريدور أمني تركي على طول الحدود.

دكتورنا العزيز، لم تبدأ المحرقة الإدلبية بالهجوم الوحشي هذا. وحتى لا نعود كثيرا للوراء، لنأخذ لحظة حاسمة كبرى في تاريخ المحافظة تمثلت برأينا في تدريب وتجهيز ما سمي جيش الفتح، بتمويل وتدريب إقليمي وبقيادة النصرة. وقد قرعنا جرس الخطر يومها حين لجأ أكثر من نصف سكان المحافظة إلى تركيا وأوربة ومحافظات سورية داخلية. وبرأينا، كان ثمة مشروع يتوهم به البعض مهد “إمارة”، ويعمل عليه البعض الآخر كمعسكر جماعي للعناصر الأكثر تطرفا في عموم سوريا. فبعد كل معركة عسكرية، كانت الباصات الخضر تحمل جحافل بشرية مقاتلة للمحافظة. بحيث صارت الصورة العامة عند الرأي العام وصناع القرار الغربيين، قبل غيرهم، أن إدلب بالنسبة للنصرة هي الموصل بالنسبة لداعش. وعندما تنجح عملية شيطنة مجتمع بأكمله، تصبح المحرقة مقبولة من كنائس صنع القرار. لقد بذلنا مع عشرات الدبلوماسيين الغربيين والمنظمات غير الحكومية الدولية جهودا كبيرة لتغيير هذه الصورة، لكن الشر غطى على البصر والبصيرة. ورغم أن كل المسؤولين الغربيين مقتنعين بأن عدد من يصنفونه إرهابيا في إدلب أقل من عدد الدواعش في سجن الهول، لم ننجح في إصدار أي قرار أممي أو حملة دولية لوقف الهجوم على إدلب حتى في مجلس حقوق الإنسان. وآخر جملة سمعناها من مسؤول في الاتحاد الأوربي قبل أسبوع: هل تتحمل سوريا الغد “قندهار” جديدة؟ ألا تظن أن هناك أخطاء بل خطايا قد حدثت وسمحت لهذه المأساة أن تصل إلى ما أنتم فيه؟
– بداية يجب ايضاح بعض الامور في سياقها الزمني حتى تصبح واضحة وحتى يصبح المشهد الحالي في شمال غرب سوريا اكثر فهما . ماجرى عند تحرير ادلب أن المحافظة كانت مقطعة الاوصال وكان هناك العشرات من الفصائل الاسلامية وغير الإسلامية، التي تجمعت تقريبا فيما كان يسمى جيش الفتح والذي خاض معارك كبيرة لبسط سيطرته على مدينة ادلب وما رافق ذلك حينها من أخطاء. ولكن المتابع للمشهد في ادلب قبل ذلك ومنذ توقيع اتفاقية المدن الاربعة والتي كانت انعطافة سيئة جدا في مسار الاحداث وبداية تغيير ديمغرافي بدأ حينها بتهجير أهل مضايا والزبداني إلى ادلب، وبدأت قصة الباصات الخضراء سيئة الصيت، ومنذ ذلك الحين كانت تصلنا موجات بشرية من الناس الذين لا يرغبون بالبقاء تحت حكم الأسد أو الذين لم يوقعوا أي إتفاقيات مصالحة معه. فجميع من جاء إلى منطقة خفض التصعيد الرابعة هم أناس مختلفي التوصيف والتصنيف، ولم يكن منهم مقاتلين من هيئة تحرير الشام أو القاعدة، بل من فصائل مختلفة مثل جيش الاسلام من الغوطة ومن الجيش الحر في درعا واللتان لا وجود لأعداد كبيرة مؤثرة من عناصر هيئة تحرير الشام فيها أو لا يشكل إن وجد أعدادا تذكر .
ولا أنسى أن أعرج على الماساة الكبيرة التي شملت أيضا سكان كل من كفريا والفوعة واللتان كذلك تم تهجير أهلهما من قراهم بنفس الباصات الخضراء والذين انتهى بهم الحال الى مخيمات في صحراء حسيا حيث يعيشون ظروف قاسية جدا وكل ماجرى بكل قذارته كان تحت مظلة أممية وباتفاقات في ظل الأمم المتحدة حتى لا نجلد أنفسنا كثيرا .
كل الامور كانت تتجه إلى تجميع كل من لم يقبل بالصلح مع الاسد (وبتنوعه ما بين أقصى اليسار وأقصى اليمين) وعزلهم في منطقة خفض التصعيد الرابعة، وبإرادة دولية أيضا، هذا هو الواقع ولكن النظام والروس يصرون دائما أن كل من خرج على سلطة الأسد هو إرهابي، فالأربعة ملايين سوري الموجودين في الشمال المحرر هم بنظره إرهابيين. وأراد إلصاق ذلك كله بتنظيم هييئة تحرير الشام في الشمال رغم ان هيئة تحرير الشام في الشمال ليست كل المشهد ولا يمكن دائما التذرع بها لقتل المدنيين وقصف الاسواق في مراكز المدن وتدمير المشافي والمنشأت الصحية والمستشفيات والمدارس وقطع الدعم عن أربعة ملايين إنسان وتدمير مدنهم .
الأمريكان منذ فترة قصيرة وعلى لسان مندوبتهم في مجلس الأمن اشاروا ان الهجوم الحالي على منطقة خفض التصعيد الرابعة غير مقبول وأن قصة مكافحة الارهاب في هذه المنطقة ماعادت تقنع أحدا على الإطلاق. وأحب أن أشير كذلك، أن الوضع رغم توصيفه القاتم جدا، إلا أن المنطقة لا تزال أفضل اقتصاديا وامنيا وصحيا من مناطق النظام، وهذا ما اقرت به العديد من المنظمات المختصة دوليا. لذا يجب أن نتعامل مع هذه المنطقة باعتبارها تحوي ربع سكان سوريا الحاليين، وأنهم سوريون تحت أي ظرف كان. وأن نبتعد عن الإنسياق حول ما يروج له النظام الذي يريد شيطنة معارضيه فادلب خضراء وستبقى كذلك ولن يستطيع أيا كان طمس هويتها وتاريخها.

تم دعوة جمع من المستقلين إلى الرياض لبناء منصة جديدة بشخصيات مختلفة إذا تحدثنا بدبلوماسية نقول شخصيات بعيدة عن الموقف التركي وليست مختلفة عن السياسات السعودية العامة، هل يمكن لخطوة كهذه بلورة مواقف أكثر استقلالية لهيئة التفاوض أم أنها عملية ترقيع ومناكفة خارج الفضاء الوطني السوري لن يترتب عليها نتائج تذكر؟
سأبدأ من نهاية هذا السؤال عن هيئة المفاوضات.. بصراحة ومنذ اليوم الأول واجتماع الرياض الأول، يصعب الحديث عن الإستقلالية وسيادة القرار الوطني السوري. صحيح نحن أمام مكونات سورية، ولكن لسنا أمام مكونات وطنية مستقلة القرار والإرادة. وما زاد الطين بلة، التركيب غير المتجانس لمختلف المنصات التي يمثلها: منصة موسكو، منصة القاهرة، “مستقلون” إئتلاف، فصائل… الجميع يعرف كيف تشكلت منصة القاهرة من خارج صناع مؤتمر القاهرة، وكيف تشكلت منصة موسكو من صناع ملتقى موسكو وليس ممن شارك فيه، وما آل إليه حال وتركيب الإئتلاف أو هيئة التنسيق اليوم؟؟ باختصار، لا يمكن الحديث عن المشروعية والشرعية أساسا، ناهيكم عن الغياب الكامل للتجانس في المكونات من حيث الرؤية والاجندة والأهداف، وبرأيي، فإن ما جرى في الرياض لانتخاب واستبدال قائمة المستقلين يمكن قراءته ضمن المعطيات التالية:

1-جعل هيئة التفاوض أكثر تجانسا وانسجاما بغض النظر إذا كانت المخرجات تمثل مصالح الشعب السوري أم لا ومحاولة حسر تحكم الائتلاف بها إلى الخلف قليلا وهذا سيساعد في تسريع ملفات أخرى ومنها اللجنة الدستورية رغم أنها ليست المعطل.
2-صرف الإنتباه عن الموقف الإيجابي للمعارضة السورية في اللجنة الدستورية والذي أحرج النظام الذي قام بتعطيل جلسات اللجنة.
3-قد يكون هذا التغيير بداية لتشظي المعارضة السورية التقليدية وبالتالي الحاجة إلى تشكيل جسم سياسي جديد يستطيع مواكبة المرحلة الحالية ومرحلة الإنتقال السياسي القادم في سوريا والتمهيد لمؤتمر رياض 3
4-جعل عقد جلسات اللجنة الدستورية والتفاوض مستقبلا في دمشق أمر ممكن
5-أتوقع آخر ما يمكن أن يؤخذ بشكل كبير أو عميق، هو المناكفة بين السعودية وتركيا وتسابقها على تسجيل نقاط ضمن جسم المعارضة السورية وهو ترويج إعلامي ليس إلا، لأن ما يجري في الرياض في واد، والمجتمع السوري في واد آخر تماما.
6- بالنتيجة لا يمكن الحديث ضمن معطيات الوضع الراهن وتطور الاحداث عن قرار سوري مستقل على طرفي النزاع سواء معارضة أو نظام. لنكن واقعيين، فالسوريون أصبحوا نوعا ما خارج نطاق اتخاذ القرار بالحل وفقدوا الكثير من أوراق صناعة الحل في بلدهم
7- لا يمكن استعادة القرار السياسي إذا لم يتم فهم الواقع الحالي بشكل دقيق، وإدراك أدوات وحجم الصراع في سوريا، ودراسة الواقع الداخلي وإدراك هامش التحرك الباقي أو المتاح ومعرفة تقاطع مصالح الدول المتدخلة في سوريا ومحاولة الأصوات الوطنية إيجاد موطئ قدم إن أمكن وإيجاد محصلة او مسار بين ما يمكن داخليا وما يمكن خارجيا والإنطلاق من جديد

هناك دعوة لعقد مؤتمر وطني سوري عام في 17 نيسان القادم، لماذا مؤتمر سوري -سوري الآن؟ هل تعتقد حقا بأن هناك فرص للنجاح في استعادة السوريين مكانة ما في صنع القرار في وطنهم اليوم؟
تتطلب استعادة القرار السوري أن يلتقي كل السوريين من كافة فئات المجتمع السوري وأن يتساموا على الجراح والنكبات التي كان سببها نظام الإجرام، والذي يتحمل في الدرجة الأولى جرائم القتل وما عاشته سوريا من دمار وخراب.
عندما يتداعى السوريين من تلقاء أنفسهم وبتمويل خاص منهم إلى التحضير لمؤتمر سوري –سوري، في محاولة منهم لاستعادة القرار السوري والوصول إلى تحقيق هذا المؤتمر تكون هنالك بارقة أمل في نهاية النفق المظلم يمكن أن تنبه كل اليائسين والخانعين والمستسلمين لقدرهم ولظروفهم بأن السوريين الشرفاء، من مثقفين وناشطين وضباط أحرار، لازال بإمكانهم الأخذ بزمام المبادرة وإدارة أمور أنفسهم في المرحلة القادمة وبصراحة هذا هو الأمل المتبقي لأي عمل سياسي سوري جمعي مستقبلا لذلك لابد من عقد هذا المؤتمر الذي سيكون المظلة السياسية السورية المستقبلية في حال قيام المجتمع الدولي بالدعوة الى مؤتمر دولي للسلام في سوريا .

هل لديك قناعة بإمكانية عقد هكذا مؤتمر في الظروف الإقليمية الراهنة والحروب الباردة والساخنة في الإقليم؟
– لا يمكن فصل ما يجري في سوريا عما يجري في المنطقة اطلاقا والشرق الأوسط عموما. إن سير الأحداث في سوريا وتعقد المشهد من حيث طبيعة الأطراف المتدخلة في الصراع والغطاء السوري المستخدم لكل تدخل خارجي يجعل من إيقاف ما يجري في سوريا يتطلب جهدا دوليا كبيرا
ببساطة مادام هنالك تدخل دولي في أدوات الصراع في سوريا. ليس بالإمكان وقف ما يجري إلا بمؤتمر دولي للسلام في سوريا والذي يعتبر البداية لمرحلة جديدة قادمة تحمل الكثير من التغيرات على جمع الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. المرحلة التي قد يساهم فيها المؤتمر السوري -السوري آنف الذكر، في إعطاء المظلة السياسية الوطنية والجو المناسب للإنتقال السياسي، أي وضع نهاية لسرطانات الإستبداد والفساد والتطرف بآن.
بالنتيجة المؤتمر الدولي للسلام في سوريا هو مطلب كبير وجاد لإيقاف ما يجري في سوريا، المهمة المركزية لإنجاح هكذا مؤتمر دولي، هي في التقاط اللحظات الأقوى في السنوات الثمانية الأخيرة، أقصد بيان جنيف في 30 حزيران 2012 واجتماعي فيينا المتوجين بقرار مجلس الأمن 2254.
في الحالتين كان السوريون غائبين عن القرار، اليوم المؤتمر الدولي بحضور سوري تمثيلي ووازن، يعني عودتهم لرسم معالم مستقبل سوريا موحدة وسيدة لكل السوريين.
الحاجة لهذا المؤتمر الآن أكثر من أي مرحلة سابقة، سوريا لم تعد تحتمل أن تكون أرضا لحروب بالوكالة، ولا يمكن أن تكون بلدا محتلا من أي بلد آخر، والفاتورة التي دفعها المجتمع السوري أعلى فاتورة دفعت في نزاع مسلح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واستمرار الهدر في الدم السوري أصبح مكلفا للقتلة أنفسهم… النظام القديم أعجز عن أن يستمر ولم يعد ممكنا حكم أي جزء من الوطن السوري بالحديد والنار… حتى موضوع إعادة إعمار البلاد أصبح رهنا بالتغيير…

Scroll to Top