عندما وجهت لي الدعوة لحضور المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار، كان جوابي بعد قراءة ما وصلني من أوراق: أولا: أين مكتب الشباب؟ وثانيا: هل سيحرر المؤتمر المعارضة السورية من مشكلة اعتبار الشباب فترينة مثلما جرى أيضا وبكل أسف مع “النساء”. مثلما يقول العامة “لسمعة المحل”؟
كان من حسن حظي أن من حاورنا من اللجنة التحضيرية كانوا على قناعة تامة بدور الشباب والمرأة في بناء الحاضر والمستقبل السوري. لذا شاركنا في المؤتمر ونحن نحمل هذه القناعة الجميلة.
كنت ومازلت سعيدا بتحول العديد مما سمعناه إلى أفعال، لكن أقول لكم بأمانة: أصبح لدينا شعور كبير بالمسؤولية وأسئلة كثيرة حول قدرتنا على النجاح بهذه المهمة الكبيرة.
فنحن، بالمعنى السياسي، جزء هام جدا من الذين فتحوا أعينهم على القضايا العامة ومشكلات الوطن والناس بعد 2011. ذاكرتنا السياسية تنامت في حالة فوضى وطوارئ وحروب، ونعيش منذ عقد من الزمن تحديات وجودية مثل: البقاء في الوطن، البقاء على قيد الحياة، وفرص العمل للعيش بكرامة، التي تقدمها الظروف المأساوية التي نعيشها اليوم.
ورغم التدريب اليومي على الوقوف دون “نرفزة” في طوابير شراء أوليات العيش، أو الانقطاع الدوري عن المحيط والعالم لسوء الأنترنيت، أو عشرات المشاكل التي تنشأ كل يوم، لا نسمح لأحد بأن يغتصب روح وطموحات الشباب فينا.. وكل أملنا، من كل من سبقنا وعاش تجارب أوسع أفقا وأكثر تنوعا، أن يقف معنا حتى يعوض عند جيل العقد الثاني من هذا القرن، ما حرمتنا منه الظروف المأساوية الاستثنائية التي يعيشها الوطن والمواطن.
من هنا عندما اكتب مكتب الشباب أضع أمامكم مهمة تكوين وتأهيل جيل من الشباب فعال وواع ومسؤول قادر على المشاركة في بناء مستقبل وطنه. وهي مهمة جماعية أتمنى من كل لجان ومكاتب المؤتمر مشاركتنا فيها.
أول ما نحتاج له، هو التكوين والتأهيل المتعدد الجوانب. أي تنظيم دورات خاصة في مواضيع نحن بأمس الحاجة لها حول تجارب الانتقال الديمقراطي؟ دور الشباب في البناء بعد الصراعات المسلحة في تجارب الآخرين؟ تعميق الثقافة الديمقراطية والتنويرية في صفوف الناشئة إلخ
ثانيا تقديم إجابات عملية قابلة للتحقيق حول تعزيز دور الشباب والشابات في الحراك المدني والسياسي السوري والعمل على زيادة الثقافة والوعي العام في ظل الانحدار الاخلاقي والاجتماعي الذي فرض على الشباب خلال هذه الحرب
هناك ثالثا ضرورة كبرى لتعميق الروح والحس الوطني والانتماء لدى الشباب والشابات تجاه وطنهم سوريا. المنتهك السيادة أرضا وشعبا.
من أهم مهمات المثقف والسياسي في سوريا اليوم، العمل على تحرير الشباب من الافكار الطائفية والتطرف.. فكما هو معلوم، في الأوساط الشابة نزوع إلى الراديكالية، ولكن ليس دائما بالمعنى الإيجابي والبناء للكلمة. وفي الأوضاع السورية للأسف، ولسنوات، اعتبر الخطاب العقلاني الباحث عن تسوية سياسية تضمن انتقالا سليما وسلميا خطاب الجبناء والمتواطئين مع النظام، وحتى الآن ما زالت أطراف عديدة تعتبر الصراع مذهبيا وبالتالي تعمل من أجل اصطفافات مذهبية مقيتة. من هنا أهمية تفكيك وتعرية خطاب الكراهية والتطرف في صفوف الشباب في عموم سوريا.
من الضروري، أيضا، تفعيل دور الشباب في أية نقاشات أو مفاوضات أو حوارات حول الحلول المطروحة، ودفعهم نحو الانخراط في مستقبل بلادهم
لا يمكن العمل على إخراج الشباب من حالة الإحباط الذي ألم بهم في ظل الظروف الحالية، دون العمل على تعزيز فكرة الدور عندهم وتفاعلهم الدائم مع باقي الأجيال والتجارب.
إن العمل الطويل الأمد على إنشاء كوادر شبابية تنظر إلى المستقبل والاجيال القادمة، هو الضمان الوحيد لاستمرار النضال الوطني الديمقراطي للتغيير وأن يصبح قوة فاعلة في بناء مستقبل مختلف في سوريا الجديدة.
قحطان الهواش