سوريا المواطنة الحرة والسيادة طريق الخلاص الأوحد

بيان صادر عن المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار في الذكرى 12 لانطلاقة ثورة شعب

 

في 18 مارس/آذار 2011، خرج أكثر من 2000 مواطن ومواطنة في مدينة درعا، في أول حراك شعبي شبابي بهذا الحجم منذ 1963. وقد تم التعرض للمتظاهرين بالرصاص الحي وخراطيم المياه وسيارات إطفاء وهراوات، وسقط أربعة شهداء وعشرات الجرحى، إضافة لاعتقالات جماعية ودخول لوحدة عسكرية لشمال المدينة ونزول طائرات مروحية في ملعبها الرياضي. جاء حراك الشباب، رغم كل الاستنفار والاحتياطات الأمنية التي جرت للحؤول دونه، ليؤكد أن سوريا ليست خارج المكان والزمان والتاريخ: حرية حرية”، سني وعلوي، مسيحي ومسلم إيد بإيد، عربي وكردي ايد بإيد، للإصلاح والتجديد، “لا للفساد”، “يسقط سجان الشعب”، واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد.

اختارت السلطات الأمنية منذ اليوم الأول الرد العسكري الأمني على مطالب الثوار، فوقعت فزعة السوريين في الجنوب من كل البلدات لهم، ثم تبعتها تظاهرات بانياس وداريا ودوما ثم مظاهرات مليونية في حماه وحمص ودير الزور ودمشق… وكانت صرخة: سلمية تهز الحناجر، لأن هؤلاء الشبيبة يدركون بوعيهم التلقائي، أن مقتل ثورتهم سيكون في اتباع نهج النظام الذي رد عليهم بالسلاح. ولم تجد السلطات الأمنية مخرجا لها، إلا بالإفراج عن قرابة 1400 جهاديا سوريا وأجنبيا من سجن صيدنايا في نهاية شهر أيار/مايو 2011 وزج آلاف المتظاهرين السلميين في السجون والمعتقلات. لتتشكل أول الفصائل “الجهادية” في شهر حزيران/يونيو، توجه بعد ذلك قياديون من المجلس الوطني السوري إلى ليبيا للعودة بسلاح ومقاتلين باسم “هيئة حماية المدنيين”، وجرى حقن الثورة بفيروس العسكرة والتدخل الخارجي وتشكيل غرف العمليات من ضباط غير سوريين في الجنوب والشمال. وكلما جرت مواجهة عسكرية، تراجع الحراك الجماهيري ولم تلبث السلطات الأمنية من النجاح في القضاء على فكرة الحشود الشعبية الكبيرة بمساعدة من يدعي الثورة حماية الثورة.

صنفت لجنة الصليب الأحمر الدولية سوريا منطقة نزاع مسلح في حزيران 2012، ونجحت أجهزة الأمن و”الجهاديون” في نقل سوريا من الثورة إلى الحروب والمواجهات المسلحة. واتضح للقاصي والداني أن التدخل الخارجي يجلب تدخلا أكبر، وأن الخطاب الطائفي سلاح دمار شامل للبشر أما التسلح، فكما صاح المتظاهرون السلميون في دوما قبل أن يغتصبها “جيش الإسلام”: ”إن لجأت للسلاح فلديهم الكثير منه“.

أغمض “أصدقاء الشعب السوري” الطرف عن دخول قرابة 120 ألف مقاتل أجنبي إلى الأراضي السورية، وقامت دولة داعش هنا وإمارة النصرة هناك، وتمكنت “وحدات حماية الشعب” الكردية من السيطرة على ما أسمته ” الكانتونات الثلاثة” في الشمال السوري واستشعرت دول التدخل في الشأن السوري أن النار ستصل إلى شواطئها. دخل حزب الله المعركة من الأراضي اللبنانية إلى القلمون، وصل عدد كبير من قيادة الحرس الثوري الإيراني وميليشيات لبنانية وعراقية وهزارية، شكلت الولايات المتحدة قيادة عمليات مشتركة ضد دولة داعش ودخلت الأراضي السورية، بدأت القوات الروسية بقصف صاروخي من بعيد، تبعه تدخل عسكري مباشر في سوريا. ومع انتقال الدعم الأمريكي والتدريب من حزم والجيش الحر، إلى “وحدات حماية الشعب” وقسد وحلّ غرفتي العمليات المشتركة (الموم والموك!)، أقر البرلمان التركي دخول القوات العسكرية التركية إلى سوريا “لحماية الأمن القومي التركي”.

ابتلعت القوات التركية “كانتون عفرين” وهجرّت ثلثي سكانه، وأقامت مراكز عسكرية غربي الفرات تبعتها بإسفين عسكري شرقي الفرات. وأصبحت الخارطة السورية محكومة بإدارات أمر واقع تحت إشراف وسيطرة الأمريكي والروسي والتركي والإيراني.

لن يغفر التاريخ لمن وجه سلاحه للصدور العارية، كذلك لمن شارك في العسكرة والمذهبة واستجداء التدخل الأجنبي. أما من لم يفقد البوصلة الثورية المدنية، وبقيت سيادة الدولة السورية واستقلال قرارها وحقها في دولة مواطنة لكل أبنائها ديدنهم وقناعتهم المبدئية، فإن مهمتهم في هذه الأوضاع اليائسة والبائسة، التي يغطيها وشاح القتل الجماعي والتهجير واللجوء والنزوح وتحطيم طاقات البلاد والعباد، أن يعززوا ثقتهم بهذا الشعب، الذي قدم ما يفوق قدرات الشعوب على التحمل، وأن يتفاعلوا ويجمعوا كل من يحمل قيم السيادة والمواطنة والديمقراطية، للنضال المشترك من أجل سوريا ديمقراطية موحدة ودولة مدنية. لأن روح المقاومة للتدخل والاحتلالات والدكتاتورية، تبقى أقوى من كل الأطروحات الانهزامية التي تعتبر نفسها “منتصرة”، وما هي إلا “انتصارات” أشد من الهزائم عارا…

 

Scroll to Top